...بيناتنا ‏في ‏بحر

اليوم مثله مثل جميع الايام، السماء مليئة بالغيوم كأنها علي وشك المطر لكنها لن تمطر، كالعادة. قررت الذهاب في تمشية طويلة لم أكن أعلم كم ستسغرق من الوقت. هاتفي علي وشك أن تنفد بطاريته، و أنا بلا وجهة حقيقية أو معرفة بالمكان الذي استعد للذهاب إليه لكنني قررت أن يصاحبني صوت فايا يونان في الطريق.

قلوبنا غاية في الغرابة و الهشاشة. فيوما ما تستيقظ شاعراً بأنك علي ما يرام، بأن قلبك لم ينجرح أو تشوبه شائبة طوال حياتك فتشعر كأنك ملك العالم. و في أيام أخري تستيقظ بحجر علي صدرك، يعتصرك الألم و يجتذب كل جزء في صدرك حتي تتوقف عن القدرة علي التنفس. نعم، هناك الم و هناك ذكريات و مشاعر قرر عقلك و قلبك معا أن يتذكراها و يعيداها مراراً و تكراراً في هذا اليوم.

"بيناتنا في بحر، يبقي البحر بيناتنا.... بيناتنا موج البحر، يجمعلنا حكايتنا... و بيناتنا مواعيد، ضاعت لأنه ضعنا... فجر كل يوم جديد علي الأرض يرجعنا.."

هكذا استيقظت في ذلك اليوم. وجدت الحجر الذي ظننت أني تخلصت منه راقدا فوق صدري كأنه يتحداني، يخبرني أني مغفلة و أنه عاد مثل كل مرة رميته فيها. عاد و استقر في المكان الذي تركه و عاد ليجده مثلما كان، لم ينقص منه شئ. لم استمع لهذه الأغنية من قبل، لكنها أطاحت بالحجر بعيدا فور بدئها، أو هكذا شعرت علي الأقل. انا أمشي في شارع لا أعرفه لكنني لا أهتم، فهناك شيئا آخر يحدث بداخلي.

"نحنا قدرنا نعيش تحت سما زرقاء، بال البحر تحت الجبل، حد السهل نبقي. نحنا قدرنا نكون مثل صبي مجنون، عاشق لون الطبيعة، و عاشق لسحر الكون."

ترددت هذه الكلمات في أذني لأول مرة في ذلك اليوم، و لسبب ما ظللت أعيدها و أعيدها و أعيدها حتي فقدت مساري و وجدتني في مكان لا اعرفه ولا يعرفني. جلست علي اقرب كرسي وجدته، و ظللت استمع لها اكثر و أنا أحدق في المتاجر أمامي. يعتريني احساس غريب، لا أستطيع وصفه لكن قلبي كان يحاول الخروج من مكانه و الجري حولي.

"عم ناديك اسمعني، عم حاكيك افهمني... إذا مش قادر تفهمني بلكي بنحكي موسيقي.."

نعم، هكذا شعرت كأن الموسيقي تتحدث إلي، تتحدث إلي ذلك الحجر و الفراغ. لا أعرف كيف حدث ذلك أو إن حدث من أساسه. كل ما أعرفه أني ظللت أمشي بلا وجهة حتي لاحظت مكاني و بدأت استوعب مكاني و وجودي مرة أخري. لكن هناك شئ اختلف، نعم فالحجر مازال موجوداً لكني لم أعد أشعر بثقله علي صدري مثل كل مرة.

هل رفعته التمشية أم الكلمات أم مزيج من الإثنين؟ لا توجد عندي إجابة حقيقية لمثل هذا السؤال.

لكن الأكيد اني كل مرة أسمعها سأتذكر هذا اليوم، و تمشيتي، و احساسي. 

Comments

Popular Posts